القاهرة – أ.ق.ت - فادى لبيب : القطاع العام" فى مصر تعبير للدلالة على شركات ومصانع كانت فى عقود سابقة رمزاً لقلاع الصناعة ، تدار من قبل مؤسسات عامة أو شركات قابضة تتبع الدولة بشكل مباشر، وكان هذا القطاع فى وقت ما هو الأقدر على إستيعاب التطورات التكنولوجية فى الكثير من المجالات أهمها صناعة الحديد والصُلب ، الغزل والنسيج ، والصناعات التحويلية بصفة عامة ، كذلك الصناعات الغذائية ...
لكن بمرور السنوات وتغيير السياسات الاقتصادية العامة فى مصر من قيادة سياسية إلى آخرى ، ومع سياسية الإنفتاح الاقتصادى فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات التى تتلخص فى إتباع نظام الحرية الاقتصادية ، خاصة حرية الإستيراد التى باتت ثمة تلك الفترة ، والتى بدورها وضعت شركات ومصانع القطاع العام فى مأزق عدم القدرة على منافسة المنتج القادم من الخارج ، وبمرور الوقت تراجع هذا القطاع بشكل ملحوظ وفى نفس التوقيت ..
الذى بدأ فيه القطاع الخاص الوقوف على قدميه ، بل أصبح هو القادر على إستيعاب التطورات التكنولوجية والفنية والإدارية المتلاحقة ، حتى أصبح القطاع الخاص يمثل 80 % من الطاقة الإنتاجية فى مصر . وباتت شركات ومصانع القطاع العام فى حالة سيئة للغاية ، بل عبئاً رهيباً على موازنة الدولة والاقتصاد ككل ، نتيجة تراكم الديون المصرفية عليها بلا جدوى تُذكر ، وتراجع القدرات الإنتاجية والإدارية وتخلفها عن مواكبة المستورد من المنتجات والسلع كذلك القطاع الخاص . وأصبح هناك تسائل حول طبيعة التعامل مع هذا القطاع فى ظل المتغيرات والمُعطيات الجديدة فى مصر. ولذلك تحدثنا مع مجموعة من الخبراء لـ "وطنى" فيما بين اقتصاديين ومصرفيين فضلاً عن الحديث مع واحداً من رجال الصناعة المصريين المشهود لهم .
حيث يرى الكيميائى
لويس بشارة ورجل الصناعة المعروف أن مشكلة القطاع العام فى مصر تُكمن فى خوف
الدولة من الثورات ضدها من قبل العاملين فى هذا القطاع لمواجهة أى طرح جديد أو
فكرة من شأنها التعامل مع الوضع المترضى لمصانع وشركات هذا القطاع .. وقال : إن
الهند وبالتحديد فى مونبيه العاصمة كانت تعانى نفس المشكلة فى قطاعها العام منذ
حوالى 50 سنة تقريباً ، وكان الحل المنصف هو بيع أراضى المصانع باهظة الثمن
واللجوء إلى مناطق أخرى زاهيدة الثمن لإقامة مثل هذه المصانع عليها ، وأضاف :
فالمصانع لدينا فى المحلة الكبرى وطنطا وشبين الكوم وحلوان وغيرها تعانى نفس
الظروف خاصة مسألة إرتفاع أسعار هذه الآراضى بشكل كبير للغاية وهى تعانى من
التراجع المستمر فى انتاجيتها وضعف إمكانيتها على المنافسة والبقاء ، وتكبلها
بالديون لدى البنوك وغيرها .. مما جعلنا نفكر بشكل جدى لماذا لا يتم بيع أراضى هذه
المصانع والذهاب مثلاً للمدن الصحراوية والإجابة ببساطة هى أن الحكومة خائفة من
مواجهة رد فعل مثل هذه القرارات ، تخوفاً من مواجهة ثورة العاملين بهذه المصانع
والمتمثلة فى الإضرابات والإعتصامات وغيرها آليات إعتراض عمليات التغيير . ورداً
على سئوال ل"وطنى" يتعلق بزيادة تكلفة الإنتاج بما فيها تهيئة المناخ
الملائم للعاملين فى حالة نقل زيادة تكلفة هذه المصانع إلى مناطق شبه نائية ، أكد
رجل الصناعة المصرى الكيميائى لويس بشارة أنه فى حالة تنفيذ عمليات بيع آراضى هذه
المصانع فإن الثمن الذى سيُدفع فيها يكفى تكلفة هذا الإنتقال بما فيه تكلفة هذا
وسائل الإنتقال للعاملين ودفع تكلفة مايرضى العاملين بل وتهيئة المناخ الملائم لهم
.. لكن المشكلة أن العاملين دائماً ما يُفكرون فى إرتباطهم الجغرافى بأسرهم
وأصدقائهم فى المدن الحالية ، مما يجعلهم مُناهضين تماماً للإستجابة لمثل هذه
الأفكار ، مُشيراً إلى أن هذا الحل معرف بالنسبة العالم كله وهناك من يتبعه
ويُطبقه ، هذا الإضافة إلى أن ذلك المسلك اتبعه القطاع الخاص والكثير من
رجال الأعمال عندما توجهوا للمدن الجديدة كالعاشر من رمضان وغيرها .
كما يرى أن الظروف
الضاغطة أكثر صعوبة فى مصر لإتحاذ الحلول الوسيطة ، خاصة فى ظل فتح باب الإستيراد
على مصراعيه وزيادة تكلفة المنتج المصرى فى ظل الإرتفاع الكبير للإجور ،كذلك ضعف
تسويق المنتج المحلى فى الأسواق الداخلية ، نظراً لإزدحامه بالكثير من المنتجات
المختلفة سواء فى المحلات أو على الأرصفة .
الإدارة هى حجر
الزاوية
من جانبها قالت
الدكتورة عنايات النجار أستاذة التمويل والإستثمار : إن القطاع العام أصبح بمثابة
" تكية " للكثير من العاملين بهذا القطاع ، فى نفس الوقت الذى يعمل فيه
هؤلاء العاملين بالقطاع الخاص ، وأضافت قائلة إن ما وصلت إليه شركات ومصانع القطاع
العام ترجع إلى مسألة الإدارة المتدنية ، مؤكدة أن الإدارة هى حجر الزاوية فى
تشغيل هذه الشركات بغض النظر عن كونها تتبع الملكية العامة أو الخاصة ، فهناك
شركات قطاع خاص فاشلة وأخرى قطاع عام وناجحة ، وبالتالى فإن نجاح الشركات يتوقف
على قدرة الإدارة بها وليس شكل الملكية ، ولذلك فأذا تحدثنا عن الخصخصة فى ظل الكلام
عن إقالة شركات القطاع العام ، فإنه من الواجب إتباع نظام خصخصة الإدارة بهذه
الشركات والمصانع ، بحسث يصبح قطاع عام يُدار من خلال إدارة خاصة ، والعمل على
الوصول بتلك الإدارة إلى الفعالية ، حتى نستطيع التعرف على أبعاد هذا الكيان
الكبير والعمل على إجراء تقييماً حقيقياً لمقدراته وأصوله . أما فيما يتعلق بشكل
التمويل المناسب لإدارة تلك الأصول أكدت الدكتورة عنايات النجار أنه بعد إعادة
هيكلتها وتأهيلها يُمكن إتباع أشكال مُتعددة من من التمويل منها القروض المصرفية ،
أو طرح جانب من أسهمها فى البوصة ، أو أختيار ما يُلائمنا من نظام الصكوك .
الشراكة بين القطاع
العام والخاص
بينما قالت بسنت فهمى
الخبيرة المصرفية وأستاذة البنوك بالجامعة الفرنسية إن وضع القطاع العام الحالى
مأسوى للغاية وذلك منذ 25 سنة مضت ، كما تحدثنا عن ذلك منذ عام 1996 عندما كنت
منتدبة عن البنوك مستشارة للدكتور عاطف عبيد .. إذاً فالحل الوحيد لإقالة هذه
المصانع والشركات من عثرتها هو أن نفعل قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص ،
على أن تملك الدولة وتشارك فى الإدارة جنباً إلى جنب القطاع الخاص طبقاً لصيغة
قانونية واضحة ، يُراعاه فيها عدم الإثقال على العمال وتركهم يدفعون الثمن وحدهم .
مُشيرة إلى أن هذا الأسلوب فى التعامل مع هذه القضية قد يكون هو الأقرب لبرنامج
رئيس الجمهورية الإنتخابى للتعامل مع معدلة القطاع العام ، كما أن قانون الشراكة
بين القطاع العام والخاص يُعد من أهم القوانين الاقتصادية والإستثمارية التى لم
تفعل بعد .. فمن خلاله تدخل الدولة مشاركة فى العديد من المشاريع بالأراضى ، أما
الإدارة والتطوير الفنى فيمكن أن يقوم به القطاع الخاص ، تحت إشراف محاسبى ورقابى
من جانب الدولة وممُثله فى الهيئات الرقابية المعنية. كما أن إتباع نظام المشاركة
يمكن أن يحقق لها الإيرادات الكافية التى تحتاجها للتعامل مع ملفات أخرى . وقد
يكون جانب من القطاع الخاص المشارك فى هذه المنظومة هم من حملة الأسهم والسندات فى
البورصة . فى حين ترى أن هناك شركات ومصانع كالهرباء والغاز والمياه وغيرها ، تنتج
احتياجات هامة واستراتيجية للدولة مما يستوجب البقاء على إداراتها من جانب الدولة
، إلا أنه يُمكن طرح جانب من أسهمها فى البورصة المصرية ، نظر لأهمية الأشراف
عليها من جانب الدولة .
مُشيرة إلى أن تجربة
الخصخصة فى مصر تعد من أسوء تجارب الخصخصة التى أجريت فى كله ، لأنها لم تكن نتيجة
لهدف محدد .. ولذك أهم شىء فى هذه المرحلة هو إجراء تقييمات لكل شركة على حدى سواء
من خلال بنوك محلية أو شركات متخصصة ، وفى نفس الوقت يجب أن تكون هناك جهود
تشريعية موازية لعمليات التقييم ، هذه الجهود تعمل على إرساء مبادىء إستثمارية
عالمية منها القوانين التى تُيسر إجراءات الدخول والخروج (التخارج ) من السوق ،
وهى ما نسميها قوانين التأسيس والإفلاس ، نظراً لأننا لا نمتلك قانوناً واضحاً
وصريحاً فيما يتعلق بقضايا الإفلاس ، حتى نؤسس لبيئة إستثمارية أكثر ثقة بين
المستثمرين والدولة . وأضافت أستاذة البنوك بالجامعة الفرنسية أن هذه الخطواط
تساعدنا كثيراً عند تطبيق نظام المشاركة بين القطاع العام والخاص ، وفى تحديد
أشكال وأساليب التعامل مع هذه الكيانات ، فشركة يمكن أن يتم طرح جانب من أسهمها فى
البورصة وأخرى قد يكون إيجاد مستثمرين رأسيين لها هوالحل الأفضل لها ، وثالثة يمكن
إدارتها من قبل شركات متخصخة وذات خبرات مُتراكمة فى نفس المجال وقد يكونون من
حاملى أسهم لشركات عالمية عاملة فى نفس التخصص ، على أن تتم هذه الخطوات
والإجراءات بشكل مرحلى يتسم بالتدرج ، وبالتوازى فى أحياناً أخرى .
مؤكدة أن الإدارة
الحالية لتلك المصانع والشركات تتسم بحالة من مؤسفة للغاية سواء من النواحى الفنية
أو الإنتاجية أو التسويقية ، فعلى الجانب الفنى هناك سوء إدارة بالنسبة
للآلات والمعدات بما فيها سياسات الإحلال والتجديد بهذه المصانع ، كذلك
تراكم كم كبير من المخزون الراكد سواء على مستوى المنتج النهائى الذى فشلت هذه
المصانع فى تسويقه ، أو المخزون المتعلق بقطع غيار الماكينات والتى مر عليها سنوات
طويلة مُشونة بالمخازن قد تتعدى ال20 سنة ، كذلك كم كبير من قطع الغيار الهالكة
... وهذه كلها تعد أصول إنتاجية لها قيمتها ، وهى غير مُستغلة . كما تعانى هذه
المصانع والشركات أيضاً من مشاكل تسويقية ، ناهيك عن زيادة أعداد العمالة التى
تقترب فى بعضها من ال4 الآف عامل ، مؤكدة على ضرورة القضاء على مشاكل الفساد
الإدارى فى تلك المنظومة
.
و استطرد الخبيرة
المصرفية بسنت فهمى قائلة لقد تكونت هيئة برئاسة البنك المركزى لإدارة أضول الدولة
من هذه الشركات والمصانع التابعة للقطاع العام والتى باتت عبئاً ثقيلاً على
الموازنة العامة للدولة ، على أن يتم إدارة هذه الأصول وفق قواعد جديدة وغير
تقليدة ، إذ يتم حصر كل هذه الأصول سواء كانت أراضى أو مخازن أو عقارات أو آلات
ومعدات وذلك لضمها تحت مظلة واحدة.
زيادة رأس المال
من ناحية أخرى يرى
إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق ورئيس بنك إيران مصر أن مصانع القطاع
العام فى مصر تحتاج لتطويرها إلى نقلة كبيرة إدارياً وإنتاجياً ، وهذا يُمكن أن
يحدث بزيادة تمويل هذا القطاع ، وهنا يوجد دور كبير للبنوك فى ذلك تمويلها ، إلا
أن البنوك تهتم فى المقام الأول بالجدارة ، وهذا شىء طبيعى خاصة وإن كانت هذه
الجدارة لا تتوافر لبعض شركات ومصانع القطاع العام ،ولذلك يجب زيادة رأس مال هذا
القطاع حتى لا تتخلف إنتاجيته بسبب عدم القدرة على مواكبة التطورات الصناعية
. مُشيراُ إلى مصانع المحلة الكبرى والتى كانت قلعة من قلاع الصناعة خاصة الغزل
والنسيج ، لكنها تراجعت كثيراً بسبب عدم قدراتها على مواكبة التطورات المتلاحقة .
الجدير بالذكر أنه
جارى دراسة تأسيس صندوق سيادى لإدارة الأصول الإنتاجية لتلك الشركات والمصانع
التابعة للقطاع العام والتى تتراكم خسائرها سنة بعد الأخرى ، بحيث يتم إعادة هيكلة
هذه الأصول العامة على أسس اقتصادية جديدة ومتطورة ، على أن يتم حصر و ضم
جميع هذة الأصول تحت مظلة واحدة ويتضح من الأرقام المتوافرة أن مصر يوجد بها
151 شركة تتبع القطاع العام منها خمس شركات تم استردادها بعد 25 يناير بأحكام
قضائية ، و تدار هذه الشركات من خلال 9 شركات قابضة ، تتبع وزارة الاستثمار.