مع توالي الأحداث بغزارة وتتابع التطورات كل لحظة في الملف المختلف عليه، ونقصد هنا بالطبع ملف الإيجار القديم ومع احتدام النقاش الذي وصل لدرجة التراشق بالإلفاظ بل وفي بعض الأحيان كاد أن يصل للتشابك بالأيدي ... حيث نري ذلك علي شاشات التفزيون وعلي الهواء مباشرة مع حكومة استفاقت فجأة بعد سبات عميق لحكومات متعاقبة وبرلمان ماطل وراوغ وزادت وعوده التي أخلفها جميعا لفترتين كاملتين بمجمل عشرة سنوات بالتمام والكمال لإتخاذ أي قرار أو موقف لصالح الدولة وليس لصالح أطراف أو فئات وبعد أن وعد المسؤلين الجميع بأنهم بصدد إصدار قانون يرضي جميع الأطراف أو علي الأقل يرضي طرفي النزاع وهما فئة الملاك وفئة المستأجرين وهو أمر مستحيل وغير منطقي.. وكأن القاضي يقف بين المدعي والمدعي عليه ويعد بإنه سيصدر حكما يرضي كلاهما .. وأمام هذه الأمور العبثية والتي لم تحقق لا رضي للملاك ولا أي استحسان للمستأجرين فإذا بالقدر يتدخل وطالما حذرنا منه كثيرا بأن عقارات الإيجار القديم قديمة وعتيقة ومتهالكة تماما كإسم القانون الخاضعة له فإذا بعقار يهوي في السيدة زينب مخلفا ضحايا في الأرواح ومصابين وخسائر في ممتلكات الناس وتلي ذلك مباشرة إنهيار لعقارين وسمعنا ثلاثة عقارات متلاصقين في منطقة حدائق القبة خلفت عددا كبيرا من الضحايا والعدد قابل للزيادة إذا ترك الأمر هكذا دون قرارات حاسمة للأسف يعطلها المنتفعون من استمرار هذا القانون، كما يعطلون إصدار القانون نفسه وسرعة الغاؤه ..
والواقع ظاهرة إنهيار العقارات في مصر قد اعتاد عليها الناس بل واعتاد عليها الإعلام ومن كثرتها وتكرارها بشكل شبه يومي أصبحت لا تأخذ المساحة الكافية لإلقاء الضؤ عليها .. حتي المجتمع الدولي والإعلام العالمي الذي طالما تساءل نراهم قد اعتادوا الأمر أيضا .. لكننا بالفعل اليوم قد وصلنا لمرحلة الخطر الحقيقي وليس فقط أرواح العامة في خطر بل سمعة الدولة كلها أصبحت علي المحك ولا ينبغي أبدا أن نغامر بها.
لكل ما تقدم أري أن الحكومة والبرلمان المصري مسؤلين مسؤلية كاملة عن الضحايا الذين يلقوا حتفهم يوميا تحت الأنقاض نتيجة إنهيارات العقارات التي أنتهي عمرها الإفتراضي الذي يحدده الكود المصري للبناء ب 40 عاما، علاوة علي أن هذه العقارات تفتقد للصيانة ولأي إصلاحات أو تطوير وبدلا من أن يدرك ذلك المسؤلين في الدولة من السلطة التنفيذية أو التشريعية فيصدروا قانونا يعجل بتحرير العلاقة الإيجارية ليكون هناك فترة انتقالية قصيرة جدا تتناسب مع الوضع الحالي، حيث العقارات الخاضعة لهذا القانون معظمها آيل للسقوط أو متضررة بشكل أو بآخر ورغم تكرار سماعنا لإنتشار الزلازل بالمنطقة وآثار التغير المناخي المدمرة بخلاف صرخات ملاك العقارات المنهوبة حقوقهم وويلات باقي المواطنين في المجتمع من ارتفاع تكلفة السكن خارج منظومة الإيجار القديم، وبالرغم من أن حل المشكلة لا يستدعي سوي النظر فقط في إمكانية دعم فقراء مستأجري الإيجار القديم من قبل الدولة حتي نلغي هذه القوانين الاستثنائية سيئة السمعة بأسرع وقت ممكن والتي كان علي الدولة المصرية أن تقوم بألغائها فور صدور قانون الحقوق المدنية والسياسية الذي صدر منذ عام 1982، حيث وقعت مصر علي وثيقة مبادئ حقوق الإنسان ومن أهم مبادئها مراعاة الحقوق الاقتصادية للأفراد وحماية الممتلكات الخاصة والغاء كافة القوانين الإستثنائية إلا أن الدولة التي طالما تحججت بتأجيل إتخاذ قرارها وطلب التمهل في ذلك بدعوي الحاجة للأرقام والمعلومات والدراسة نجدها بعد كل هذا الوقت الذي انتظر فيه أصحاب الحقوق هذه الدراسة خاصة بعد أن كلف رئيس الدولة جهاز التعبئة العامة والاحصاء في عام 2017 لعمل إحصائيات ميدانية دقيقة كلفت الدولة حينها 800 مليون جنيه وكانت الأرقام فاضحة، حيث أظهرت مدي سهولة حل المشكلة وأن عدد وحدات الإيجار القديم لا يمثل إلا 7٪ من حجم الإسكان في مصر وأن مستأجري الإيجار القديم بكافة فئاتهم لا يمثلوا سوي 6٪ فقط من سكان مصر ورغم مضي الأعوام علي هذه الإحصائيات والتي بلا شك أصبحت فيها المشكلة أسهل وأقل تكلفة والأرقام متوقع أن تصبح في صالح حل المشكلة بشكل أسرع يتذرع الكثير بأنهم يفتقدون للأرقام والإحصائيات الدقيقة لأننا اليوم في عام 2025، بينما الأرقام المتاحة منذ عام 2017 وبدلا من أن تستشعر الحكومة التي طالما تلقت شكاوي كثيرة من المواطنين وصرخات من أسر لا تتحمل دخولها الإرتفاعات الجنونية لتكلفة السكن حتي في المناطق الشعبية والعشوائيات والتي ارتفعت بها القيم الايجارية بشكل مبالغ فيه نتيجة قلة المعروض وارتفاع الطلب المفاجئ نتيجة تدفق ملايين الوافدين علي مصر من دول شقيقة ومشاركتهم لأبناء شعب مصر في الطلب علي السكن والإقامة المؤقتة أو الدائمة إلا أن الحكومة ورئيس الحكومة اعتذر بأن الدولة لا يمكنها أن تتدخل في العلاقة الإيجارية وتفرض قيودا علي المستثمر العقاري حتي تنخفض تكلفة السكن علي المواطنين .. وحيث تتوالي الأزمات علي مصر والمصريين في ظل ظروف مضطربة بالعالم كله وتحديدا بالمنطقة المحيطة إلا أن أصحاب الدراسات بالحكومة اتحفونا مؤخرا بقانون لا ينم علي أي منطق أو يتوافق مع طول الدراسة أو الأرقام التي توفرت أو الظروف التي أصبحت تصرخ بأعلي صوت .. حرروا العلاقة الإيجارية وفي أسرع وقت ممكن ..
فإذا بنا نري مشروع قانون تقدموا به للبرلمان يحدد فترة انتقالية طويلة جدا مدتها 5 سنوات تبدأ بعد إقرار القانون وبداية تطبيقه ولم تراعي هذه المدة الطويلة كل السنوات الماضية التي أهدرت وكل العقود التي ظلم فيها أصحاب الملكيات الخاصة وهم في الأصل مستثمرين وليسوا شئون اجتماعية، كما يتصور البعض لم تراعي هذه المدة الطويلة حالة العقارات المذرية أو الإنهيارات المتتالية التي تخلف يوميا ضحايا ومصابين وخسائر مادية بالملايين لم تراعي احتياج باقي المجتمع لسرعة إلغاء هذه القوانين والتي من شأن إلغائها توفير مئات الآلاف من الوحدات لطالبي السكن الحقيقي وهم في أشد الحاجة لوحدات يتركز 82٪ منها في محافظتي القاهرة الكبري والإسكندرية والباقي موزع علي المدن القديمة العريقة ذات الكثافة السكانية المرتفعة، حيث تواجد فرص العمل ووفرة الخدمات وإزدياد الطلب الحقيقي علي السكن .. لم تراعي حتي المدة الطويلة التي اقترحها مشروع الحكومة تصنيف المستأجرين بل وضعتهم كلهم في سلة واحدة وبإفتراض يتنافي مع الواقع، حيث أن سكان الإيجار القديم علاوة علي ضآلة نسبتهم أمام باقي المجتمع، فإن معظمهم من التجار وأصحاب المحال الذين يتكسبون الملايين ومنهم المستحوذين علي السكن الإداري من أصحاب مهن وأعمال ومنهم من أغلق الوحدات ويقيم بالخارج أو يغلق الوحدات ليقيم بمكان آخر بالمدن الجديدة مثلا ومنهم من لديه البديل العقاري أو عنده من الإمكانيات المادية مايؤهله لتوفير عدة بدائل أما إذا كان هناك وسط كل هؤلاء فقراء أو أصحاب ظروف وحالات إستثنائية فعلي رغم ضآلتهم فإعالتهم تقع علي عاتق الدولة ولايمكن تحميلها لملاك العقارات .. رغم كل هذا فإن مشروع الحكومة تذرع بمراعاة البعد الاجتماعي وكأن البعد الاجتماعي أصحابه هم فقط احفاد المستأجرين ممن استفادوا لعقود بهذا السكن شبه المجاني وأن ملاك العقارات مثلا ليس لديهم أي بعد اجتماعي أو باقي المجتمع كله بعيد كل البعد عن أي أبعاد اجتماعية أو انسانية..
وافترض من قدم هذا المقترح أن ملاك العقارات مع كل ما تحملوه في الماضي هم من يجب أن يتحمل البعد الاجتماعي للمستأجر ليس الفقير وحده فقط بل الغني قبل الفقير، حيث أن الفترة الانتقالية يستفيد منها الغني قبل الفقير ويتحملها ملاك العقار مجددا .. ورغم طول المدة التي يفترضها المقترح والتي تلزم لتحرير العلاقة في النهاية إلا أن المشروع اقترح قيمة ايجارية كوميدية أثناء تلك الفترة الطويلة والغريب أن القيم الايجارية المقترحة لا علاقة لها بالقيم السوقية الحالية أو المستقبلية التي تتصاعد بوتيرة متسارعة وتتمشي مع معدلات التضخم المرتفعة وأسعار الفائدة العالية وكان ممكن ومن المنطقي جدا جدا أن يقترح قيم ايجارية تمثل نسب متفاوتة من القيم الإيجارية السوقية الحالية مع زيادات تتمشي مع معدلات التضخم إلا أن الحكومة التي أفترضت أن ملاك العقارات لا يزالوا يعيشون في زمن الطربوش وعصر المليم ففضلت أن تربط زيادات القيم الإيجارية بالقيم المربوطة في العقود وهي لا تمت بالزمن الذي نعيش فيه بأي صلة فقد قرروا زيادتها بعشرون ضعف دون أي تدريج أو تصنيف سواء زمني أو طبقا لقيمة الوحدة ومساحتها وموقعها فمثلا أظهرت الإحصائيات بأن 327 ألف وحدة من الإيجار القديم القيم الإيجارية لها تقل عن 175 قرش صاغ فحين يتم مضاعفة هذه القيم لعشرين ضعفا فسنصل لرقم أيضا مضحك لذلك أضاف المقترح بإن هناك حد أدني لا يقل عن ألف جنيه، ولكننا نري العجب في الإيجار القديم فقد تكون الوحدات التي أنعم عليها القانون بقيمة إيجارية ستصل لرقم الألف جنيه ذات مساحة كبيرة وبمنطقة عريقة بوسط البلد، حيث رصدت عقود القيمة الإيجارية لها تبلغ 35 قرش (بحالهم) بينما هناك عقارات مباني الثمانينات فما فوق وصلت فيها القيم الإيجارية لحجرة فوق السطح بمنطقة متواضعة مثل المطرية مثلا تزيد علي ال 100 جنيه، وهنا نري التناقض العجيب، حيث ستنال حجرات السطوح بالعشوائيات لقيم ايجارية تزيد علي ال 2000 وال 3000 جنيه، بينما وحدة مساحتها 800 متر بحديقة علي شارع العروبة الرئيسي ستصبح فيمتها الإيجارية فقط ألف جنيه .. أين عقلي ياحكومة ؟؟؟!!
وبالرغم من كل هذا التخبط والعشوائية والتناقض في مشروع قانون يفترض أن من قدمه قد قتل هذا الملف - ويحلو لهم بتسميته بالملف الشائك - دراسة إلا أن تلك الدراسات المتأنية جدا جدا أكثر من اللازم أسفرت في النهاية علي خيبة أمل تتحف العقول وتثير التساؤلات إلا أن الحكومة سرعان ما تداركت الكارثة ووعدت بتعديلات للمقترح، فإذا بنا نري إعادة نظر تسفر عن مشروع نهائي لا رجعة فيه يعمق الجراح بدلا من ن يداويها ويزيد اللغط ويضع المزيد من الظلم علي ملاك العقارات المنكوبين بهذا القانون بل ويزيد الظلم أكثر علي باقي المجتمع كله لصالح فئة من المميزين والمنتفعين وأصحاب المصالح المتعارضة مع المصلحة العامة للدولة فبدلا من فترة انتقالية طويلة تبلغ 5 سنوات تم تعديلها لتصبح فترة طويلة جدا تصل ل 7 سنوات وبدلا من حد أدني سيتم اقراره علي الغالبية العظمي من الوحدات يبلغ 1000 جنيه نراهم اكتشفوا أن الرقم ضخم جدا (وخسارة في الملاك) فتداركوا ذلك وخفضوا الرقم ليصبح 250 جنيها..
ويبدو أن الدولة لا تعلم أن أحد أصحاب العقارات - علي سبيل المثال - في محاولة له للبحث عن منقذ يزيد من دخله ليواجه صعوبات الحياه، فقد ألهمه خياله للتغلب علي شح الإيراد من عقاره أن يقوم بتأجير حجرة البواب للعقار لتستخدمها شركة كمخزن ب 9000 جنيها شهريا، بينما بعد إقرار القانون يتوقع فيها إيجارا للوحدة لا يزيد عن 250 جنيها شهريا لمستأجرين يملكون السيارات الفارهة والأرصدة بالبنوك ..
وعلي كل ما تقدم يقترح أصحاب العقارات الخاضعون للقوانين الإستثنائية المسماه بقوانين الإيجار القديم أن يتنازلوا عن عقاراتهم الخاصة لصالح الدولة لأنه بكل المقاييس لا يحكم أي عاقل علي هذه الاوضاع المعكوسة التي يشوبها الفساد والتربح الحرام إلا ان ينعت هذه الملكيات بأنها مؤممة وتمت مصادرتها لصالح فئة غير مستحقة لأي دعم من جانب الدولة فما بالنا بإستحقاق لدعم ضخم جدا يتحمله الملاك وهم مجرد مواطنون ومنهم الفقراء وأصحاب المعاشات وأصحاب الهمم والعاطلون عن العمل وغير ذلك من الظروف التي تحيط بهم رغم ملكيتهم التي كانت لتضعهم من أصحاب الملايين وهذا الوضع الغريب والشاذ لانتزاع ملكيات خاصة يستوجب من الدولة تعويضا سخيا بالقيمة السوقية للأصل كما يحددها الدستور مع تبني الدولة إدارة هذه الأصول العقارية المهدرة والمجمدة وتحمل مسؤلية صيانتها ومصروفاتها ومرافقها وأي تكاليف واجبة لترميمات أو إعادة تأهيل مع تحمل كافة المسؤليات المدنية والجنائية التي تنشأ علي ذلك، وخاصة مع تلك الإنهيارات المتكررة للعقارات ومع أي كوارث قد تحدث لاسمح الله طبيعية أو بفعل الزمن، حيث أفترض الجميع علي أن العقار في مصر ليس له عمرا افتراضيا بل هو صامد إلي الابد.
وتحياتنا القلبية لأي مستثمر عقاري يزرع الصحراء بأعمدة الخرسانة وتبدأ أسعار وحداته ل 20 مليون جنيه فأكثر وتحياتنا أيضا للمستثمر الذي يقيم الأبراج المخالفة بالعشوائيات دون مراعاة تخطيط عمراني أو معايير بناء هندسية متعارف عليها وهنيئا للمجتمع كله استعذاب هذا الظلم الممنهج وانعدام النخوة والضمير والتجاهل والإطاحة حتي بأصوات تتعالي وتنادي وتطالب بوقف محرمات لا يقبلها الشرع أو الدين في ظل مجتمع يتغني بالتدين أو يدعي ذلك لا نعلم ..