السبت، 20 سبتمبر 2025

تخطيط موازنة الأسرة المصرية .. الطريق إلي أنسنة التخطيط الإقتصادي ( 1 )


بقلم/ م. حسام محرم *

سياسي ونقابي مصري

مستشار حكومي سابقا


في ظل تفاقم التحديات الاقتصادية وتزايد الضغوط على الأسرة المصرية، باتت الحاجة ملحّة إلى رؤية قومية تُعيد الاعتبار لمفهوم "موازنة الأسرة"، باعتبارها مدخلًا أساسيًا للاستقرار الاجتماعي ...


فمع ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القوة الشرائية، لم تعد المبادرات الجزئية أو الموسمية كافية، بل أصبح مطلوبًا حدوث تدخل مؤسسي يُعالج جذور الخلل في العلاقة بين دخل الأسرة وبنود الإنفاق الأسري. ونستعرض في السطور التالية ملامح مبدئية لإستراتيجية إنعاش ميزانية الأسرة المصرية وتخفيف الأعباء المعيشية وصولا إلي رفع مستوي المعيشة : 



1. إستحداث إدارة في وزارة التخطيط مسئولة عن موازنة الأسرة المصرية

ولعل أولى الخطوات العملية تتمثل في إنشاء إدارة متخصصة داخل وزارة التخطيط تحت مسمى "الإدارة العامة لتخطيط موازنة الأسرة"، تُعنى بتصميم نماذج محدثة لموازنات الأسرة المصرية، وفقًا لشرائح الدخل، والأنماط الاجتماعية، والموقع الجغرافي، وتتعاون هذه الإدارة مع مراكز البحوث والجامعات لوضع سياسات قائمة على بيانات دقيقة، وتصدر تقارير دورية تُوجّه برامج الدولة في قطاعات الإسكان، والصحة، والتعليم، والنقل، والإتصالات، والدعم الاجتماعي وغيرها. وقد سبقتنا دول مثل اليابان وكندا في تخصيص كيانات رسمية لمتابعة وتحليل موازنات الأسر، وربطها بسياسات الأجور والدعم والخدمات، في إطار رؤية متكاملة للعدالة الاجتماعية.


2. الأجور… النصف الغائب في المعادلة

لا يمكن بناء موازنة أسرية واقعية دون النظر في أزمة الأجور، التي باتت لا تواكب تكلفة المعيشة الحقيقية. في كثير من الدول المتقدمة، يُستخدم مفهوم "Living wage baskets" أو "سلال الأجور المعيشية" لتحديد الحد الأدنى من السلع والخدمات الأساسية التي تحتاجها الأسرة للعيش بكرامة، ويتم مراجعة الأجور بشكل دوري استناداً إلى هذه السلال التي تعكس مؤشرًا حيًا لتكاليف الحياة، بينما في مصر ما زالت فجوة الدخل تتسع دون ربط حقيقي بالأعباء المعيشية، والحل يبدأ بتبني سياسة "الحد الأدنى المعيشي" التي تعتمد على مفهوم "سلال الأجور المعيشية"، بحيث تعكس الأجور التكلفة الفعلية للحياة، بالتنسيق مع نتائج عمل الإدارة المقترحة، وبما يضمن توازنًا بين الموارد وبين بنود الإنفاق والاحتياجات.



3. السكن والزواج: معركة البداية التي تستنزف الأسرة

3.1. السكن

في ظل ارتفاع تكاليف الإيجار والتمليك، بعد إقتناء المسكن المناسب أحد أبرز التحديات أمام الأسرة المصرية بكل تنويعاتها، خصوصًا لدى فئات الشباب، والمطلقين والمطلقات، وكبار السن، والأرامل والأيتام وذوي الإحتياجات الخاصة، ويمكن الإستفادة من تجارب دول مثل ألمانيا، السويد، واليابان، حيث تُستخدم نماذج من الوحدات السكنية الجاهزة ضمن مشاريع الإسكان الإجتماعي لمحدوكي الدخل. وتتميز هذه الوحدات بكونها صغيرة المساحة (أستديو فما فوق)، ومجهزة مسبقًا بـأثاث مدمج أو ثابت (Built-in Furniture)، مما يُقلل الحاجة إلى شراء تجهيزات إضافية. وتُعد هذه النماذج حلاً عمليًا يخفف من الأعباء المالية المرتبطة بالسكن والتأثيث، لا سيما في المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة، أو بين الفئات التي تبدأ حياتها من نقطة الصفر.


3.2. الزواج

كما يُمكن أن تُسهم هذه النماذج في تسهيل تأسيس الحياة الزوجية، عندما يُدمج هذا النموذج في سياسات الإسكان الموجهة للشباب المقبل على الزواج، ومحدودي الدخل والمطلقين. ويمتد الأثر إلى ملف الزواج نفسه، حيث أصبح من الضروري تعزيز ثقافة "الزواج الميسر"، من خلال مبادرات توعوية تُشجع التبسيط في كافة بنود الزواج خاصة المسكن والأثاث والذهب والزفاف وغيرها. وقد نفذت دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية برامج حكومية لتيسير الزواج والحد من كلفته، حفاظًا على التوازن الديموغرافي والاجتماعي.


4. النقل الجماعي الاقتصادي

في دول مثل كندا وفرنسا وغيرها، يحصل المواطنون على اشتراكات شهرية مدعومة لوسائل النقل الجماعي كدعم عيني، ويمكن لمصر أن تتبنى هذا النموذج، مع دعم البنية التحتية لاستخدام الدراجات، وتوسيع شبكات النقل منخفض التكلفة، خاصة في المناطق المزدحمة.



5. الصحة : تعزيز الاستثمار في السياحة العلاجية 

تمثل السياحة العلاجية فرصة استراتيجية لمصر لتعزيز مواردها الاقتصادية، من خلال جذب أعداد كبيرة من المرضى الأجانب الباحثين عن خدمات صحية عالية الجودة بأسعار تنافسية. ومن هنا، يتعين على الدولة تعزيز ضخ إستثمارات في هذا القطاع الحيوي لضمان حصة كبيرة من السوق العالمية، مع رفع جودة الخدمات (والرقابة علي الخدمات الصحية للمواطن للأجانب علي السواء)، ومن ثم إنفاق جزء من عوائد السياحة العلاجية علي العلاج المجاني لكل المواطنين في إطار  مظلة تأمين صحي شامل مرتفع الجودة، مما يخفف الأعباء المالية عن الأسرة ورفع مستوى الصحة العامة.