![]() |
الحقوقية نهاد أبو القمصان |
1. الإخلاء الفوري وحق الدفاع: موازنة لا إهدار
تثير الأستاذة نهاد مخاوف مشروعة بشأن المادة 7 التي تسمح بالإخلاء الفوري بأمر على عريضة، معتبرة إياه انتهاكاً لحق الدفاع الدستوري (المادة 96) ...
وهنا، نتفق معها على أهمية حق الدفاع، لكن يجب توضيح أن "الأمر على عريضة" هو إجراء وقتي يهدف إلى سرعة البت في حالات محددة، ولا يغلق باب التقاضي، فالمستأجر يظل له الحق الكامل في التظلم والاستئناف أمام المحاكم المختصة، حيث تُتاح له الفرصة الكاملة لتقديم دفاعه ودراسة ظروفه.الأهم من ذلك، أن هذه الحالة ليست قضية يواجه فيها المستأجر اتهاماً جنائياً يستدعي دفاعاً بالمعنى التقليدي، بل هي علاقة تعاقدية انتهى أجلها، فالسكن، قانوناً، هو منفعة مقابل قيمة في زمن معلوم ببداية ونهاية، وبقاء المستأجر في العين بعد انتهاء العقد هو إخلال بحق المالك في ملكيته، هذه المادة تحديداً هي الضامن الأساسي لإعادة الثقة للملاك في السوق العقاري، وتشجع على طرح الوحدات المغلقة التي يخشى أصحابها تأجيرها خشية عدم استردادها، مما يساهم في وفرة المعروض وتوازن السوق.
2. "الخلو" والتوضيب: حسابات عقود من الإهدار
تطرقت الأستاذة نهاد إلى مسألة "خلو الرجل" والتوضيبات التي قام بها المستأجرون، مطالبةً بضرورة تعويضهم، وهنا نود التذكير بأن "الخلو" كان مجرماً قانوناً، والمستأجر الذي دفعه كان شريكاً في مخالفة القانون، وبفرض صحة هذه المزاعم، فإن فارق الأجرة الرمزية التي دفعها المستأجرون على مدى عقود طويلة، مقارنة بالقيمة السوقية الحقيقية للعقار وتأثير التضخم، يجعل المالك هو الطرف المدين له المستأجر، وليس العكس. أما التوضيبات، ففي كثير من العقود القديمة كانت تتم باتفاق صريح على أن يقوم المستأجر بالتشطيبات مقابل خصمها من الأجرة، وهو ما يشبه في التعامل معه نظام "المقدم" الذي شُرّع لاحقاً.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم نسمع صوت الأستاذة الحقوقية يدافع عن حقوق الملاك المالية والمعنوية التي أهدرتها القوانين الاستثنائية لأكثر من سبعة عقود؟ وكأن استعادة بقايا حطام السنين يُعتبر مكافأة بها وبثمنها على المالكين، بينما هي حقوق أصيلة طال إهدارها.
3. المستأجر المسن: مسؤولية الدولة لا المالك الفرد
تُعد نقطة تأثير الإخلاء على المستأجر الأصلي المسن هي الأكثر إنسانية وتأثيراً في حديث الأستاذة نهاد، حيث ترى أن إخراجه من بيته قد يصل إلى حد "قتله" معنوياً، ونحن ندرك تماماً حساسية هذا الموقف الإنساني، ولكن، من منظور دستوري، فإن حق الملكية للمالك مصون، وحقه في الانتفاع بملكه لا يمكن أن يُهدر إلى ما لا نهاية، وهنا يجدر بي توجيه السؤال: لقد قُتل المالك مرات ومرات معنوياً ومادياً، فأين كانت أصواتكم؟
إن التزام الدولة بتوفير "سكن آمن وصحي ومناسب" (المادة 78 من الدستور) يقع على عاتق الدولة ومؤسساتها، وليس على كاهل المالك الفرد، لا يمكن تحميل الأفراد مسؤولية توفير حلول إسكان اجتماعي على حساب حقوقهم الملكية، العدالة تقتضي حماية حقوق الطرفين، وتصحيح الأخطاء التشريعية السابقة التي أضرت بطرف على حساب الآخر.
وهنا يبرز تناقض آخر: فبينما تدافع الأستاذة نهاد بشدة عن حق المستأجر الأصلي في البقاء، فإنها تُقر بأن أبناءه البالغين، خاصة المتزوجين والمستقلين، يجب أن يتحملوا مسؤولية توفير سكن لأنفسهم، ألا يحق للمالك المسن، أو لوريثه المسن الذي عانى من إهدار حقوقه الدستورية لأكثر من سبعة عقود، أن يستفيد من هذا الحق الأصيل ولو لمرة واحدة قبل وفاته؟
ولنتذكر أن ملايين المستأجرين في مصر، ممن أبرموا عقوداً خاضعة للقانون المدني منذ عام 1996، قد أصبحوا في أعمار متقدمة ولا يزالون يتنقلون من مسكن لآخر حسب ظروفهم وقدراتهم المادية، ولم نشهد أياً منهم يبيت في الطرقات، وهذا يؤكد أن الحلول العادلة التي تحافظ على الحقوق هي ما يضمن وفرة المعروض بأسعار تناسب كل المتطلبات.
4. شرائح الإيجار وإنهاء العقد بعد سبع سنوات: نحو سوق عادل
نتفق مع الأستاذة نهاد في أن تحديد شرائح ومبالغ موحدة للإيجار (المادة 4) قد لا يحقق العدالة الكاملة، حيث تتجاهل التفاوت في قيمة العقارات ومواقعها. بل نضيف أن القيم المحددة قد لا توفر الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الكريمة للمالكين أو حتى للصيانة الأساسية للعقارات، والتي ستعود بالنفع حتى على المستأجر في حال أدائه لقيم إيجارية عادلة.
أما بخصوص المادة 2 التي تنهي العقد قسراً بعد سبع سنوات، والتي تراها مخالفة لحق السكن، فإن هذا الحق يقع على عاتق الدولة التي تعهدت به في القانون 164 لسنة 2025 وألزمت نفسها به، وقد وجه به السيد رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وأي تشكيك في هذا هو تشكيك في مصداقية الدولة التي أثبتت قدرتها الفائقة على القضاء على العشوائيات وتوفير حياة كريمة لسكانها في زمن قياسي، كما أنه ليس من المفترض أن توفر الدولة سكناً مجانياً لكل مواطن، بل أن تضمن الحق في السكن لمن لا يملكون، وعلى المقتدرين دفع قيمة ما ينتفعون به، وهذا هو تحديداً النهج الذي أعلنت الدولة انتهاجه!.
دعوة لعدالة أشمل
في الختام، نتوجه بالشكر للأستاذة نهاد أبو القمصان على إثارتها لهذه القضية الهامة، ونأمل أن يتسع نطاق دفاعها ليشمل قضايا أكثر إلحاحاً، مثل حقوق المستأجرين الذين يقطنون في عقارات آيلة للسقوط ولم يطالها نطاق القانون 164 لسنة 2025، والذين تهدد حياتهم وحياة المارة من حولها، إن حديثاً كهذا سيكون أقوى وأهم، ويُبرز الدور الحقيقي للحقوقي في الدفاع عن الفئات الأكثر ضعفاً، مع الحفاظ على التوازن والعدالة لكافة أطراف المجتمع، كما أتمنى توقفنا بصفة عامة ونهائية عن التشكيك في قدرات الحكومة خاصة بعد أن ألزمت نفسها بالقانون.
الجدير بالذكر أن الأستاذة نهاد أبو القمصان تُعد قامة حقوقية بارزة، ويُقدر دورها في الدفاع عن الفئات المستضعفة. وفي سياق النقاش حول قانون الإيجار الجديد (164 و 165 لسنة 2025)، قدمت الأستاذة نهاد رؤيتها التي تثير نقاطاً تستدعي مناقشة معمقة من منظور قانوني ودستوري يهدف إلى تحقيق العدالة الشاملة، لا الهجوم على شخصها الكريم، بل إثراءً لحوار مجتمعي طال انتظاره حول حقوق الملاك التي أُهدرت لعقود .
*** نائب رئيس جمعية حقوق المضارين من قانون الإيجار القديم